الجيش السعودي شارك ببسالة في حرب 1948.
مقاتلون سعوديون في الميدان
كتاب الأسمري ضم شهادات تاريخية وروايات مهمة لضباط وجنود سعوديين.
الجنود السعوديون في فلسطين.
الجيش السعودي في الميدان
مقاتلون من أجل فلسطين
سعيد الكردي مع اللواء محمد نجيب
الكردي برفقة جنود سعوديين في مرحلة التخطيط في العمليات.
طلائع الجيش السعودي متوجهة إلى فلسطين.
مستعدون للذهاب لفلسطين
جنود سعوديون في فلسطين
ولم تكتف السعودية بالمساعدات التي تقدمها دون منّ أو أذى للفلسطينيين ولقضيّة المسلمين الأولى، ابتداء بالريال الفلسطيني وليس انتهاء بالدماء السعودية التي سقطت في فلسطين من خلال مشاركة السعودية في حرب فلسطين؛ إذ لم يكن هذا الشعور مقتصراً على الجهاد التطوعي من المواطنين الذين انضووا تحت لواء الجهاد المقدس أو اشتراك الجيش النظامي مع الجيش المصري، بل كان ولا يزال للقيادة السياسية جهود دبلوماسية مكثفة في المفاوضات بين العرب واليهود واجتماعات القيادات سواء على مستوى الملوك أو الرؤساء أو رؤساء الوزارات ووزراء الخارجية، أو من خلال المراسلات المتبادلة بين الملك عبدالعزيز ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، خصوصاً روزفلت وتشرشل، وكذا الحال في المفاوضات التي جرت بين العرب وبريطانيا في مؤتمر لندن.
ولقد كان الجهاد بالنفس والمال على منوال متساو من التسابق للبذل؛ إذ تكونت لجان شعبية في «اتحاد البلاد السعودية» لجمع التبرعات لأهل فلسطين، وتشير أعداد صحيفة أم القرى بحسب الباحث محمد بن ناصر الأسمري عام 1367/1948 إلى بيانات أسماء المتبرعين والمبالغ المتبرع بها، ولعل ما نشر في العدد الصادر في الـ12 من مايو 1948 تحت عنوان «قوائم المجد والشهامة» أبرز مثال على الروح الأخوية والمشاعر النبيلة من السعوديين لإخوتهم في فلسطين.
وهذا بطبيعة الحال خلاف ما التزمت به السعودية من أموال حسب قرارات جامعة الدول العربية، فقد أشار البدري (1976: 97) إلى قرار جامعة الدول العربية في دورتها المنعقدة في لبنان ما بين (7 و 9 أكتوبر 1947) بشأن تدريب شباب العرب في المناطق غير المتاخمة لليهود وتعبئتهم للمعركة القادمة، وإنشاء قيادة عربية تتولى هذا الأمر، ورصدت الجامعة ما لا يقل عن مليون جنيه مصري وضعتها تحت تصرف القيادة، والتزمت السعودية بتوفير 20% من كامل المبلغ، وذلك لتجهيز جيش من المتطوعين داخل فلسطين يسمى جيش «الجهاد المقدس»، وآخر من شبه النظاميين يعبأ ويدرب خارج فلسطين يسمى جيش «الإنقاذ»، علاوة على بعض الحاميات المحلية الفلسطينية.
يؤكد الباحث محمد بن ناصر الأسمري في كتابه «الجيش السعودي في حرب فلسطين (1948)» على استقبال الملك عبدالعزيز وفدين من سورية ولبنان بحسب ما أوردته صحيفة «أم القرى» الصادرة بتاريخ (6 رجب 1367هـ الموافق 14 مايو 1948م) في صفحتها الأولى، عرضا عليه خلاصة الموقف في فلسطين، وقد أبدى تأييده التام لجميع ما اتخذ من قرارات للدفاع عن فلسطين والاحتفاظ بعروبتها والحيلولة دون تقسيم فلسطين وقيام الدولة اليهودية، كما أشارت الصحيفة نفسها في العدد الصادر بتاريخ (13 رجب الموافق 21 مايو 1948) إلى زحف جيوش الدول العربية على فلسطين واستعراض سرايا الجيش السعودي وتتابع سفره إلى ميادين القتال، وقد جاء على الصفحة ذاتها البيان رقم (1،2) عن اشتراك الجيش السعودي في ميدان القتال، وبيان من وزارة الدفاع يشير إلى صدور أمر الملك لوزير الدفاع بإرسال فرقة سعودية للجهاد في فلسطين في ظرف 24 ساعة.
توجهت الدفعة الأولى بالطائرات المسلحة مؤلفة من جند سرايا الرشاشات والأسلحة الخفيفة والمشاة على التتابع وبقية السرايا أرسلت بالبواخر، وقد عين لقيادة فرقة الجهاد السعودية الأولى «سعيد بيك الكردي»، ووكيله وكيل القائد «عبدالله بن نامي»، وألفت لها هيئة أركان حرب من بعض الضباط؛ إذ قدر الجيش السعودي المشارك في حرب فلسطين عام 1948 بـ3200 جندي؛ إذ كان هذا العدد يشكل ربع عدد الجيش المصري حينها.
ولم تكن هذه شهادة السعوديين فقط، بل إن اللواء المصري حسن البدري ذكر أن السعودية أرسلت عدة سرايا مشاة وبعض المدرعات وسرية رشاشات للقتال في فلسطين ألحقتها بالجيش المصري هناك تحت قيادة العقيد سعيد الكردي.
تلك المشاركات عرفت بقوة إنقاذ فلسطين، إذ وصلت دفعتها الأولى إلى غزة يوم 27 مايو 1948، وتضم 27 ضابطا و339 من رتب أخرى، فيما وصلت الدفعة الثانية إلى غزة يوم 30 مايو 1948، تضم 19 ضابطا و35 من رتب أخرى. أما الدفعة الثالثة فقد وصلت إلى غزة يوم 15 يونيو عام 1948، وتضم 10 ضباط و329 من رتب أخرى، كما انضم إلى قوة إنقاذ فلسطين نحو 200 من رتب أخرى من السعوديين الذين كانوا يقيمون أصلاً في فلسطين عندما اشتعلت الحرب، وكان بحوزة هذه القوة «26 هاونا (3 بوصات)، 34 مدفع براوننج، 72 رشاش برف، 10 رشاشات عيار 50، 10 رشاشات هونشكس، 750 بندقية (303 بوصات)، 10 عربات مدرعة همير»، فيما كانت ذخيرة هذه القوة نحو 21600 قذيفة هاون، و165000 طلقة.
ويلفت الأسمري إلى أن المعركة الأولى للجيش السعودي في بيت حانون على بعد 9 كيلومترات عن غزة شمالاً، وتواجه المعسكر السعودي مستعمرة «بيرون إسحاق» التي تؤمن ثلاث قرى أخرى بالماء، وكان السجال بين القوات المصرية واليهود على هذا الموقع ومعها السعودية بقيادة القائم مقام سعيد الكردي، من تقاطع طريق غزة / بئرالسبع، وتقدمت ثلاث فصائل من الجناح الأيمن ودخلت حتى مسافة 50 ياردة من الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستعمرة لتلتقي القوات المصرية الأمامية وجناحها الأيسر ودمرت البئر وانسحب اليهود من مواقع أخرى لمواجهة القوات السعودية وحصل خلل في الميمنة أدى إلى تراجع وانسحاب حسب أمر القيادة.
تعددت المواقع والمعارك التي شاركت فيها القوات السعودية على أرض فلسطين؛ إذ أوردت صحيفة أم القرى بحسب الباحث محمد الأسمري في 24 رمضان 1367 الموافق 30 يوليو 1948 الدور المهم الذي كان للجيش السعودي في معارك كوكبات والمدرسة والحليقات ودير سنيد وعراق سويدان، التي وصفها المراسل الحربي «شكيب الأموي» أنها من أعمال البطولة الخالدة للجيوش السعودية المجاهدة لإعلاء كلمة الله في ميادين القتال في فلسطين.
فيما تلوك ألسنة «الظواهر الصوتية» من عرب الشمال القضية الفلسطينية مزايدة وانتفاعاً وارتزاقاً، يستمر السعوديون في دعم الفلسطينيين بعيداً عن «وحل الصراخ»؛ إذ قدموا قبل أموالهم دماء «خيرة شبابهم» في معارك العرب مع المحتل الصهيوني، وهب السعوديون منذ اليوم الأول لنجدة المنكوبين، ولا تزال القيادة السياسية تقدم المواقف نفسها لرفد الحق الفلسطيني في كل محفل.
ويبدو أن مقارعة الصحراء أكسبت السعوديين شيئاً من السكينة، فهم يجودون بصمت، ويترفعون عن الصغائر كما يفعل المحاربون القدامى، ويرى السعوديون ما يقدمونه واجبا «منزها عن المنة»، هكذا يحدثنا التاريخ بعيداً عن المزايدات التي أشغلت عرب الشمال، بين جاحد يعلم أنه منتقص من حق ظاهر، وناقم متعال يعلم أن الحقيقة تتجاوزه ولن تعدم من يُسخّر لقولها وكتابتها ولو بعد حين!.
السرايا السعودية.. ذئاب أرعبت المحتلين ذات ليلة
من أهم المواقع والمعارك التي شارك ووجد فيها الجيش السعودي في فلسطين معركة دير سنيد، أسدود، نجبا، المجدل، عراق سويدان، الحليقات، بيرون إسحاق، كراتيا، بيت طيما، بيت حنون، بيت لاهيا، غزة، رفح، العسلوج، تبة الجيش، علي المنطار، الشيخ نوران، كما وجدت السرايا السعودية ضمن تشكيلات القوات المصرية في بدء العمليات الحربية ووصول القوة السعودية في المواقع التالية كما ورد في تنظيم القوات المصرية بتاريخ 12 يونيو 1948، الذي أشار إليه اللواء إبراهيم شكيب نقلاً عن مذكرات اللواء أحمد علي المواوي قائد القوات المصرية في فلسطين، وكما أوردها كذلك اللواء حسن البدري:
1) أسدود ضمن اللواء الثاني مشاة بقيادة الأمير الآي العميد محمود فهمي نعمة الله.
2) في المجدل ضمن اللواء الرابع مشاة بقيادة الأمير الآي أركان حرب محمد نجيب.
3) في منطقة خطوط المواصلات في غزة تحت قيادة الأمير الآي محمد فوزي.
كانت السعودية الدولة الوحيدة كما جاء في كتابة اللواء أركان حرب أحمد علي المواوي قائد عام القوات المصرية في فلسطين بتاريخ: 25/1/1949 إلى وزير الحربية والبحرية رئيس هيئة أركان حرب الجيش بالنيابة بطلب مكافأة رجال الجيش السعودي في الميدان بقوله: «أرى أنه من باب المجاملة للدولة الوحيدة التي اشتركت معنا اشتراكا واقعيا بجيشها أن نكافئ رجالها الذين اشتركوا وامتازوا في الميدان أسوة برجالنا».
ويقول سعيد الكردي في مذكراته -التي رأت النور على يد الباحث محمد بن ناصر الأسمري- إن القوة السعودية كانت قليلة العدد ناقصة التدريب تسودها الفوضى الإدارية إلا أنها تقدم على المعارك كأنها قادمة على زفاف، وعندما تركبها حمى القتال تندفع كالعاصفة، واستشهد على ذلك بما حدث في معركة «بيرون إسحاق» التي وقعت في 10 يوليو 1948، ومقولة القائد المصري عبدالحليم الدغيدي وهو ينظر إلى تقاعس جنوده عن خوض المعركة وتدفق الجنود السعوديين إلى داخل المستعمرة: «الآن آمنت بتاريخ العرب وعرفت كيف أنهم فتحوا الدنيا!». ويستشهد الأسمري في كتابه على بسالة السعوديين في الحرب الليلية التي كان الجيش المصري يجهلها كل الجهل ولا يقدم عليها أبداً إلا أن القوات السعودية قامت بها في معركة «بيت طيما» التي قال عنها اليهود: «هاجمتنا في الجنوب قوات لا ندري من أين أتت، إنما قامت بهجوم ليلي لم يعودنا إياه الجيش المصري»، وذلك في ليلة 1948، وبعد أن صدر البلاغ الرسمي الذي أذيع من القاهرة وعلمت إسرائيل أنها قوات سعودية، قالت إذاعتها إنه لا يستنكر على هؤلاء القتال الليلي لأنهم من محترفي القتال.
شهداؤنا الأمجاد
جاء في عدد صحيفة أم القرى الصادر بتاريخ 23 شوال 1367 الموافق 27 أغسطس 1948 أن عدد الشهداء السعوديين في فلسطين كان 40، من بينهم ضابطان، فيما يذكر الأسمري وبحسب شهادات الضباط الذين التقاهم أن مجموع خسائر الجيش السعودي قد بلغت 173، منهم أربعة ضباط، و64 من رتب أخرى، و104 ليسوا في سلك الجندية.
وفيما أوردت صحيفة أم القرى أسماء شهداء الجيش العربي السعودي في حرب فلسطين 1948 في عددها 1224 وتاريخ 22 شوال 1367 الموافق 27 أغسطس 1948 تحت عنوان «شهداؤنا الأمجاد من الفرقة السعودية النظامية المجاهدة في فلسطين»، يشير الأسمري في كتابه إلى أن اسمي الضابطين أحمد ناصر الحيدري، وصالح بحيري لم يردا في هذا الخبر، فيما تختلف مراجع تاريخية أخرى في عدد الشهداء والجرحى.
ولقد كان الجهاد بالنفس والمال على منوال متساو من التسابق للبذل؛ إذ تكونت لجان شعبية في «اتحاد البلاد السعودية» لجمع التبرعات لأهل فلسطين، وتشير أعداد صحيفة أم القرى بحسب الباحث محمد بن ناصر الأسمري عام 1367/1948 إلى بيانات أسماء المتبرعين والمبالغ المتبرع بها، ولعل ما نشر في العدد الصادر في الـ12 من مايو 1948 تحت عنوان «قوائم المجد والشهامة» أبرز مثال على الروح الأخوية والمشاعر النبيلة من السعوديين لإخوتهم في فلسطين.
وهذا بطبيعة الحال خلاف ما التزمت به السعودية من أموال حسب قرارات جامعة الدول العربية، فقد أشار البدري (1976: 97) إلى قرار جامعة الدول العربية في دورتها المنعقدة في لبنان ما بين (7 و 9 أكتوبر 1947) بشأن تدريب شباب العرب في المناطق غير المتاخمة لليهود وتعبئتهم للمعركة القادمة، وإنشاء قيادة عربية تتولى هذا الأمر، ورصدت الجامعة ما لا يقل عن مليون جنيه مصري وضعتها تحت تصرف القيادة، والتزمت السعودية بتوفير 20% من كامل المبلغ، وذلك لتجهيز جيش من المتطوعين داخل فلسطين يسمى جيش «الجهاد المقدس»، وآخر من شبه النظاميين يعبأ ويدرب خارج فلسطين يسمى جيش «الإنقاذ»، علاوة على بعض الحاميات المحلية الفلسطينية.
يؤكد الباحث محمد بن ناصر الأسمري في كتابه «الجيش السعودي في حرب فلسطين (1948)» على استقبال الملك عبدالعزيز وفدين من سورية ولبنان بحسب ما أوردته صحيفة «أم القرى» الصادرة بتاريخ (6 رجب 1367هـ الموافق 14 مايو 1948م) في صفحتها الأولى، عرضا عليه خلاصة الموقف في فلسطين، وقد أبدى تأييده التام لجميع ما اتخذ من قرارات للدفاع عن فلسطين والاحتفاظ بعروبتها والحيلولة دون تقسيم فلسطين وقيام الدولة اليهودية، كما أشارت الصحيفة نفسها في العدد الصادر بتاريخ (13 رجب الموافق 21 مايو 1948) إلى زحف جيوش الدول العربية على فلسطين واستعراض سرايا الجيش السعودي وتتابع سفره إلى ميادين القتال، وقد جاء على الصفحة ذاتها البيان رقم (1،2) عن اشتراك الجيش السعودي في ميدان القتال، وبيان من وزارة الدفاع يشير إلى صدور أمر الملك لوزير الدفاع بإرسال فرقة سعودية للجهاد في فلسطين في ظرف 24 ساعة.
توجهت الدفعة الأولى بالطائرات المسلحة مؤلفة من جند سرايا الرشاشات والأسلحة الخفيفة والمشاة على التتابع وبقية السرايا أرسلت بالبواخر، وقد عين لقيادة فرقة الجهاد السعودية الأولى «سعيد بيك الكردي»، ووكيله وكيل القائد «عبدالله بن نامي»، وألفت لها هيئة أركان حرب من بعض الضباط؛ إذ قدر الجيش السعودي المشارك في حرب فلسطين عام 1948 بـ3200 جندي؛ إذ كان هذا العدد يشكل ربع عدد الجيش المصري حينها.
ولم تكن هذه شهادة السعوديين فقط، بل إن اللواء المصري حسن البدري ذكر أن السعودية أرسلت عدة سرايا مشاة وبعض المدرعات وسرية رشاشات للقتال في فلسطين ألحقتها بالجيش المصري هناك تحت قيادة العقيد سعيد الكردي.
تلك المشاركات عرفت بقوة إنقاذ فلسطين، إذ وصلت دفعتها الأولى إلى غزة يوم 27 مايو 1948، وتضم 27 ضابطا و339 من رتب أخرى، فيما وصلت الدفعة الثانية إلى غزة يوم 30 مايو 1948، تضم 19 ضابطا و35 من رتب أخرى. أما الدفعة الثالثة فقد وصلت إلى غزة يوم 15 يونيو عام 1948، وتضم 10 ضباط و329 من رتب أخرى، كما انضم إلى قوة إنقاذ فلسطين نحو 200 من رتب أخرى من السعوديين الذين كانوا يقيمون أصلاً في فلسطين عندما اشتعلت الحرب، وكان بحوزة هذه القوة «26 هاونا (3 بوصات)، 34 مدفع براوننج، 72 رشاش برف، 10 رشاشات عيار 50، 10 رشاشات هونشكس، 750 بندقية (303 بوصات)، 10 عربات مدرعة همير»، فيما كانت ذخيرة هذه القوة نحو 21600 قذيفة هاون، و165000 طلقة.
ويلفت الأسمري إلى أن المعركة الأولى للجيش السعودي في بيت حانون على بعد 9 كيلومترات عن غزة شمالاً، وتواجه المعسكر السعودي مستعمرة «بيرون إسحاق» التي تؤمن ثلاث قرى أخرى بالماء، وكان السجال بين القوات المصرية واليهود على هذا الموقع ومعها السعودية بقيادة القائم مقام سعيد الكردي، من تقاطع طريق غزة / بئرالسبع، وتقدمت ثلاث فصائل من الجناح الأيمن ودخلت حتى مسافة 50 ياردة من الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستعمرة لتلتقي القوات المصرية الأمامية وجناحها الأيسر ودمرت البئر وانسحب اليهود من مواقع أخرى لمواجهة القوات السعودية وحصل خلل في الميمنة أدى إلى تراجع وانسحاب حسب أمر القيادة.
تعددت المواقع والمعارك التي شاركت فيها القوات السعودية على أرض فلسطين؛ إذ أوردت صحيفة أم القرى بحسب الباحث محمد الأسمري في 24 رمضان 1367 الموافق 30 يوليو 1948 الدور المهم الذي كان للجيش السعودي في معارك كوكبات والمدرسة والحليقات ودير سنيد وعراق سويدان، التي وصفها المراسل الحربي «شكيب الأموي» أنها من أعمال البطولة الخالدة للجيوش السعودية المجاهدة لإعلاء كلمة الله في ميادين القتال في فلسطين.
فيما تلوك ألسنة «الظواهر الصوتية» من عرب الشمال القضية الفلسطينية مزايدة وانتفاعاً وارتزاقاً، يستمر السعوديون في دعم الفلسطينيين بعيداً عن «وحل الصراخ»؛ إذ قدموا قبل أموالهم دماء «خيرة شبابهم» في معارك العرب مع المحتل الصهيوني، وهب السعوديون منذ اليوم الأول لنجدة المنكوبين، ولا تزال القيادة السياسية تقدم المواقف نفسها لرفد الحق الفلسطيني في كل محفل.
ويبدو أن مقارعة الصحراء أكسبت السعوديين شيئاً من السكينة، فهم يجودون بصمت، ويترفعون عن الصغائر كما يفعل المحاربون القدامى، ويرى السعوديون ما يقدمونه واجبا «منزها عن المنة»، هكذا يحدثنا التاريخ بعيداً عن المزايدات التي أشغلت عرب الشمال، بين جاحد يعلم أنه منتقص من حق ظاهر، وناقم متعال يعلم أن الحقيقة تتجاوزه ولن تعدم من يُسخّر لقولها وكتابتها ولو بعد حين!.
السرايا السعودية.. ذئاب أرعبت المحتلين ذات ليلة
من أهم المواقع والمعارك التي شارك ووجد فيها الجيش السعودي في فلسطين معركة دير سنيد، أسدود، نجبا، المجدل، عراق سويدان، الحليقات، بيرون إسحاق، كراتيا، بيت طيما، بيت حنون، بيت لاهيا، غزة، رفح، العسلوج، تبة الجيش، علي المنطار، الشيخ نوران، كما وجدت السرايا السعودية ضمن تشكيلات القوات المصرية في بدء العمليات الحربية ووصول القوة السعودية في المواقع التالية كما ورد في تنظيم القوات المصرية بتاريخ 12 يونيو 1948، الذي أشار إليه اللواء إبراهيم شكيب نقلاً عن مذكرات اللواء أحمد علي المواوي قائد القوات المصرية في فلسطين، وكما أوردها كذلك اللواء حسن البدري:
1) أسدود ضمن اللواء الثاني مشاة بقيادة الأمير الآي العميد محمود فهمي نعمة الله.
2) في المجدل ضمن اللواء الرابع مشاة بقيادة الأمير الآي أركان حرب محمد نجيب.
3) في منطقة خطوط المواصلات في غزة تحت قيادة الأمير الآي محمد فوزي.
كانت السعودية الدولة الوحيدة كما جاء في كتابة اللواء أركان حرب أحمد علي المواوي قائد عام القوات المصرية في فلسطين بتاريخ: 25/1/1949 إلى وزير الحربية والبحرية رئيس هيئة أركان حرب الجيش بالنيابة بطلب مكافأة رجال الجيش السعودي في الميدان بقوله: «أرى أنه من باب المجاملة للدولة الوحيدة التي اشتركت معنا اشتراكا واقعيا بجيشها أن نكافئ رجالها الذين اشتركوا وامتازوا في الميدان أسوة برجالنا».
ويقول سعيد الكردي في مذكراته -التي رأت النور على يد الباحث محمد بن ناصر الأسمري- إن القوة السعودية كانت قليلة العدد ناقصة التدريب تسودها الفوضى الإدارية إلا أنها تقدم على المعارك كأنها قادمة على زفاف، وعندما تركبها حمى القتال تندفع كالعاصفة، واستشهد على ذلك بما حدث في معركة «بيرون إسحاق» التي وقعت في 10 يوليو 1948، ومقولة القائد المصري عبدالحليم الدغيدي وهو ينظر إلى تقاعس جنوده عن خوض المعركة وتدفق الجنود السعوديين إلى داخل المستعمرة: «الآن آمنت بتاريخ العرب وعرفت كيف أنهم فتحوا الدنيا!». ويستشهد الأسمري في كتابه على بسالة السعوديين في الحرب الليلية التي كان الجيش المصري يجهلها كل الجهل ولا يقدم عليها أبداً إلا أن القوات السعودية قامت بها في معركة «بيت طيما» التي قال عنها اليهود: «هاجمتنا في الجنوب قوات لا ندري من أين أتت، إنما قامت بهجوم ليلي لم يعودنا إياه الجيش المصري»، وذلك في ليلة 1948، وبعد أن صدر البلاغ الرسمي الذي أذيع من القاهرة وعلمت إسرائيل أنها قوات سعودية، قالت إذاعتها إنه لا يستنكر على هؤلاء القتال الليلي لأنهم من محترفي القتال.
شهداؤنا الأمجاد
جاء في عدد صحيفة أم القرى الصادر بتاريخ 23 شوال 1367 الموافق 27 أغسطس 1948 أن عدد الشهداء السعوديين في فلسطين كان 40، من بينهم ضابطان، فيما يذكر الأسمري وبحسب شهادات الضباط الذين التقاهم أن مجموع خسائر الجيش السعودي قد بلغت 173، منهم أربعة ضباط، و64 من رتب أخرى، و104 ليسوا في سلك الجندية.
وفيما أوردت صحيفة أم القرى أسماء شهداء الجيش العربي السعودي في حرب فلسطين 1948 في عددها 1224 وتاريخ 22 شوال 1367 الموافق 27 أغسطس 1948 تحت عنوان «شهداؤنا الأمجاد من الفرقة السعودية النظامية المجاهدة في فلسطين»، يشير الأسمري في كتابه إلى أن اسمي الضابطين أحمد ناصر الحيدري، وصالح بحيري لم يردا في هذا الخبر، فيما تختلف مراجع تاريخية أخرى في عدد الشهداء والجرحى.